
للموت رائحة عنوانها “خرائط العرب”، وفي قلبها سرطان الصهيونية الذي ينشر السموم ويزرع الفساد، على مدار عام كامل، ومن خلال خطوط المواجهة من غزة إلى بيروت، قادت آلة القتل الصهيونية المنطقة نحو الجنون.
تعددت جبهات الصراع، وامتدت السموم، وزادت حصيلة الشهداء، بينما تجاوزت تكلفة إعادة الإعمار ما يمكن تحمله، القتل مستمر، والتدمير حاضر، وأمريكا لا تزال غير قادرة على فرض السلام، لكن غزة صامدة، وأرض بيروت ترفض أن تكون ممهدة لغزو سهل على المحتل الصهيوني.
على مدار عام كامل، استخدمت القاهرة أدواتها الدبلوماسية واتصالاتها مع كافة الأطراف والعواصم، ونجحت في تمرير المساعدات وأحرزت، رغم التعنت الإسرائيلي، هدن إنسانية سمحت بتبادل الأسرى والرهائن، ورغم أن تلك الهدن لم تكتمل، إلا أن مصر تواصل تمسكها بالتعاون مع دولة قطر، على أمل الوصول إلى وقف كامل وشامل لإطلاق النار في غزة ولبنان وغيرها من بؤر الصراع.
365 يوماً وليلة، عجزت خلالها عن تحمل مشاهد آلاف الأسر التي تم إبادة أفرادها بالكامل، محيت من السجلات، أطفال ونساء وشيوخ ورجال، تحولت أجسادهم إلى أشلاء بفعل قنابل الاحتلال وصواريخه، وامتزجت أشلاؤهم بحجارة القطاع وترابه، الأرض أضحت تئن بما تحمل أحشاؤها، تصرخ وتقول: “لا تمر فوقي فالشهداء في تكويني”، هنا وُلد مولود، وهناك رضيع في حضن أمه يمتص ثديها رغم جفافه، وهي لم تأكل منذ أيام، وهذا جنين لم يرَ الحياة أبداً في نقطة أخرى يرقد شيخ يحاول الهرب من لهيب النار، بينما مراهق يبحث عن شربة ماء لأهله الذين أصبحوا أمانة في رقبته.
الأرض تصرخ خوفاً على ما تبقى منهم، وتردد بصوت محمود درويش: “قد يكسرون عظامها، وقد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها، لكنهم لن ينجحوا في إقناعها، ستستمر في الانفجار؛ لا هو موت ولا هو انتحار، ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة”.
عام كامل لم نعرف فيه سوى الكفر بالمواثيق الدولية، حيث تتابع المؤسسات الدولية المذابح دون أن تحرك ساكناً، بينما دول غربية تدعي التطور وحقوق الإنسان تشاهد المجازر على الهواء مباشرة دون أن يرف لها جفن، عام كامل من الفيتو الأمريكي الذي أهدَر مئات الفرص لإنهاء هذه المقتلة التي تعربد في الأرض.
عام كامل لقوة غاشمة تمارس نازيتها بلا رحمة، تسأل: “هل من مزيد؟” عام كامل من إبادة الحياة في غزة ولبنان، ومؤسسات دولية فقدت كل أهليتها وشرعيتها أمام هذا الطغيان، سقطت الأقنعة وبرزت حقيقة الوجوه، تجسد القبح العالمي في السياسة والمواءمات، دون مراعاة لأبسط حقوق الحياة.
تطاردني مشاهد الدماء والأشلاء، وكلما أجهضت واشنطن فرص التهدئة بـ”الفيتو المسموم”، تلاحقني كلمات محمود درويش: “أمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية”، وعندما قال: “أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا”.
أعادني درويش إلى كلماته التي تجسد نضالاً طويلاً ضد الاحتلال بسلاح الكلمة، حيث قال: “نمشي في الشوارع باحثين عن السلامة.. من سيدفننا إذا متنا؟.. عرايا نحن.. لا أفق يغطيينا ولا قبر يوارينا”.
عام كامل، نبهت فيه مصر مبكرًا من مخاطر اتساع الصراع، وقد حدث حذرت من تداعيات العدوان، وقد توالت لكن رغم قتامة المشاهد في غزة واليمن ولبنان، لم تحل دون حماية ثوابت القضية الفلسطينية، مصر تمكنت من ممارسة دورها الرائد إقليمياً ودولياً في دعم الشعب الفلسطيني، حيث نسفت مخطط الصهيونية الجديد لفرض التهجير القسري على أهالي غزة، وأسست رأيًا عربياً وعالمياً يدعم حل الدولتين، كما ظهرت القاهرة في المحافل الدولية، تنتزع انتصارات ضد سلطات الاحتلال في المحاكم الدولية.