أقدم دير فى العالم شيد منذ 1500 عام.. دير سانت كاترين وجهة العالم المقدسة فى قلب جبال سيناء

في وادٍ محاطٍ بجبال سيناء وعلى ارتفاع يزيد عن 1500 متر، يقع “دير سانت كاترين” الشهير، أحد أبرز وجهات السياحة الروحية في مصر والعالم، لا تقتصر أهميته على طابعه الديني فحسب؛ بل تتداخل فيه عناصر التاريخ والهندسة المعمارية الفريدة، ما يجعله وجهة يقصدها الزوار من شتى الأديان والجنسيات، ويقدم تجربة روحية تستقطب الناس منذ قرون.

يعود تاريخ بناء الدير إلى القرن السادس الميلادي، حين أمر الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول بإنشائه ليكون ملاذًا آمنًا للرهبان.

وسمي الدير تيمناً بالقديسة كاترين التي استشهدت في القرن الرابع، ويُعتقد أن رفاتها محفوظة في إحدى كنائسه، يتميز الدير بأسوار منيعها بارتفاع يتراوح بين 40 و200 قدم، وأبراج صُممت للدفاع، ما يجسد الطابع المعماري الفريد لهذا المكان التاريخي.

في وسط الدير، تقع “كنيسة التجلي” التي تُعد أهم محطات الزوار، إذ تحتضن عدة كنائس صغيرة، منها “الكنيسة المحترقة” حيث يُعتقد أن النبي موسى تلقى كلمات الله عند العليقة التي “لم تحترق”، وبجوارها، شُيدت “كنيسة العليقة المقدسة” المحاطة بشجرة يُعتقد أنها الشجرة التي أضاءت للنبي موسى، ولا تزال حيّة منذ آلاف السنين، ما يجعلها محط دهشة الزوار.

بجانب الكنيسة، يقع “مسجد الفاطمي” الذي بُني في القرن الحادي عشر في عهد الخلافة الفاطمية، ويعكس روح التعايش بين الأديان، يُعد هذا المسجد رمزًا للاحترام المتبادل بين الإسلام والمسيحية، وحجارته تحكي قصة التلاقي بين الثقافات في مكان واحد، مما يعكس التسامح بين الديانات السماوية.

لا يتوقف الجذب في سانت كاترين على الجانب الديني؛ بل يعتبر الدير مركزًا معرفيًا فريدًا بفضل “مكتبته” التي تضم آلاف المخطوطات والوثائق النادرة، تأتي المكتبة في المرتبة الثانية عالميًا بعد مكتبة الفاتيكان من حيث الأهمية، وتحتوي على أكثر من 6,000 مخطوطة دينية وفلسفية وتاريخية مكتوبة بلغات قديمة كالآرامية واليونانية، لتبقى شاهدة على تاريخ الفكر والتأمل.

يضم الدير أيضًا “كنيسة الموتى” التي تحتوي على جماجم الرهبان المتوفين كجزء من تقليد تقديس الراحلين، و”بئر موسى” و”بئر اسطفانوس” اللذين يرجع تاريخهما إلى عصور قديمة، بالإضافة إلى أعمدة بيزنطية، ما يجعله سجلًا حياً للتاريخ المسيحي والروحي.

لا تقتصر المعالم في سانت كاترين على الدير وحده، إذ تكتظ المدينة بمواقع روحية وطبيعية أخرى، منها “جبل موسى” الذي يُعتقد أن النبي موسى تلقى فيه الوصايا العشر.

يشكل هذا الجبل رحلة شاقة، لكنها تمتلئ بروحانية عالية، ويترقب السياح شروق الشمس من قمته في مشهد ساحر، كما يتميز “جبل البنات” بأسطورة محلية عن فتيات قفزن من قمته بحثًا عن الحرية، ما يضفي على المكان طابعًا فلكلوريًا وجذابًا.