سوريا مستقبلا.. دولة وسطية معتدلة متفتحة أم إسلامية متطرفة متشددة؟ هل يصبح الجولاني خليفة المسلنين في الشام؟
لعل أهم سؤال يطرح نفسه على الساحة الدولية الآن، هو إلى أين تتجه سوريا؟ هل للدولة المتفتحة الحديثة ذات الإسلام المعتدل؟ أم الدولة الإسلامية المتشددة المتطرفة، وإن ظهر عكس ذلك في بداية الأمر.
وما يثير حيرة الكثيرون الآن، هي الإستراتيجية المعتدلة الهادئة الموزونة، التي جاء بها أبو محمد الجولاني “أحمد الشرع”، عندما وصل إلى رأس الدولة السورية، وقاد حكم البلاد، فهو لم يهدم كنيسة ولم يهاجم أي أقلية دينية أو عرقية أو ما شابه، بل أن تصريحاته تؤكد مدى إيمانه بأن الوطن للجميع.
تاريخ جماعات الإسلام السياسي
لكن ما يؤرق المتخصصين والمتابعين، هو تاريخ جماعات الإسلام السياسي الدموي في المنطقة العربية، ولعل ما يقوم به الشرع اليوم، هو مجرد بداية لتأهيل سوريا لأن تكون دولة إسلامية دينية، بعيدة تماما عن الحكم الوسطي المعتدل.
ويؤكد الكثيرون، أن ما يقوم به الشرع هو مجرد إستراتيجية جديدة، لمحاولة إبراز دور جماعات الإسلام السياسي من جديد على الساحة السياسية، بيد نظيفة وبأسلوب ديني معتدل، لمحاولة إقناع الرأي العام، بأن إستراتيجيات الجماعات الإسلامية تغيرت، واصبحت منفتحة أكثر مما سبق.
أحمد الشرع
أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع زعيم الفصائل المسلحة يُحاول تقديم نفسه زعيمًا مُنفتحًا على جميع السوريين، وكان مشهد دخوله للعاصمة وقبلها حلب، وحماة وحمص، مقبولًا لعدم وجود مظاهر دموية، والتي لم تخل من مشاهد إطلاق رصاص ابتهاجًا أزعج بعض السوريين، ولكن الرجل استوقف بعض السوريين، ودفعهم لطرح تساؤلاتهم حول توجّهاته على المدى البعيد، حين قال من الجامع الأموي بأن الانتصار عليه (الأسد) هو انتصار “للأمة الإسلامية”، فيما سورية وشعبها لا ينتمون للإسلام فقط، إلى جانب استخدامه عبارة “المجاهدين” في وصفه لمُقاتليه، وهو توصيف تستخدمه قيادات التنظيمات الدينية، وليس رجال الدولة.
وكيف سيحكم حكام دمشق الجدد؟، فمظهرهم الخارجي من لحى طويلة، واختيار منابر المساجد (المسجد الأموي) كوجهة لإلقاء الخطابات، إلى جانب تعبيرات مبايعة الزعيم، تضع علامات استفهام حول شكل، وهوية الدولة السورية الجديدة، يوحي بالكثير، ويُثير التساؤلات.
النساء في ظل حكم الشرع
القيادة العامّة لإدارة العمليات طمأنت من جهتها السوريين بخصوص النساء فأصدرت بيانًا تقول فيه: يُمنع منعًا باتًّا التدخّل في لباس النساء أو فرض أي طلب يتعلّق بملابسهن أو مظهرهن، بما في ذلك طلب التحشّم، وأضاف البيان: نؤكد أن الحرية الشخصية مكفولة للجميع، وأن احترام حقوق الأفراد هو أساس بناء وطن مُتحضّر.
إلا أنه وعلى العكس تماما، وفي واقعة حدثت مع أبو محمد الجولاني نفسه، طلبت إحدى الفتيات منه إلتقات صورة تذكارية معه، لكنه رفض ذلك بداعي أنها غير محجبة، وطلب منها تغطية شعرها، من أجل تحقيق ما تريد.
فهذا التناقد الغريب، يثير الكثير من التساؤلات عن المستقبل السوري.
ولعل ما أعلنته القيادة العامة لإدارة العمليات العسكرية السورية، يعيدنا إلى الوراء في التاريخ قليلا، فهذا الكلام هو نفسه ما أعلنته حركة طالبان قبل توليها الحكم في أفغانستان، عقب سقوط نظام أشرف غني.
وأكدت حركة طالبان في أول فترة حكمها، أنها لن تفرض أي قرارات على النساء تتعلق بمستقبلهن الدراسي والوظيفي وحتى في الملابس، لكنها الآن، تمنع الفتيات من الذهاب إلى الجامعة، ومن التعليم والعمل، فأصبح التعليم الإبتدائي هو المسموح للفتيات دون غيره، والعمل في المؤسسات الحكومية يقتسر على الصحة والتعليم الإبتدائي والأمن.
إلغاء التجنيد الإلزامي والعفو عن الجنود
وكان لافتًا تركيز رجال الجماعات المسلحة بعد إسقاطهم الأسد، على “مشاهد التسامح” وتصويرها، وتوثيقها، وبثها إعلاميًّا، حيث يجمعون ضباط، وجنود أسرى من الجيش السوري، والطلب منهم الهتاف بـ”الله أكبر”، وتذكيرهم بما وصفوها بجرائمهم بحق الشعب السوري، ثم يقولون لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ويقولون لهم هذا ديننا، وهذا تسامحنا، وأعلنت الفصائل السورية المسلحة رسميًّا عفوًا عامًّا عن جميع العسكريين المجندين تحت الخدمة الإلزامية.
لكن وفي نفس السياق، ظهرت حوادث في عدة مدن سورية، قام خلالها أفراد من الإدارة السورية الجديدة، بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق ضباط وجنود سابقون بالجيش السوري، وأشهرها هو ما قام به أحد مجندي الفصائل العسكرية المسلحة الموالية لهيئة تحرير الشام، عندما قام بفتح النار مباشرة على جنديان من الجيش السوري، كانا عزل من السلاح، وما أظهر تلك الواقعة، هو فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وثق تلك الواقعة.
تعطيل العمل بالدستور
أما عن إلغاء القانون والدستور، فمن الطبيعي أن يحدث ذلك عقب أي ثورة يقوم بها أي شعب، فالإصلاح الكامل يتطلب بناء الدولة بكامل مفاصلها، وتعطيل كل ما هو معوق لها، لكن في هذه الحالة، وبظل تلك التناقدات الشديدة سالفة الذكر، فلا يجب علينا أن ننسى أن الجماعات الإسلامية، ترى أن الدستور والقانون هي قوانين وضعية من صنع الإنسان، ولا يعترف بها في الشرع، فمن الممكن أن تصبح تلك الخطوة، هي مجرد تأسيس للدولة الإسلامية، وليس تمهيدا لبناء دولة سورية حديثة، بدستور وقانون يكفل للمواطنين حياة كريمة.





جوجل نيوز
تطبيق نبض
واتس اب



